عائشة عبد الرحمن الجلال
تهذيب وجدان الطفل:
إن الإيمان بالله المتولد في الأعماق البشرية عن معرفة صادقة بالله وعن محبته وتقواه هو: الأساس التربوي لبناء الشخصية المسلمة. لذا فواجب الوالدين نحو تهذيب وجدان أولادهما يتلخص في حرصهما على غرس الإيمان في أعماق النفوس الصغيرة الخالية من مفاتن الدنيا، وزخارفها، وأن يعملا على حماية جوارحهم المفطورة على التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى، كما قال (ص) في حديث: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه)).
فالأبوان المسلمان مطالبان بتثبيت هذه الفطرة، وصيانتها من الضلال والانحراف.
ويمكنهما أن يستغلا إحدى خصائص الطفل الصغير وهي حبه للاستطلاع فيلفتان نظره إلى كل ما هو موجود حوله من أشجار، وجبال، وبحار، وحيوانات، وطيور مختلفة الأشكال والألوان، وغير ذلك مما يقع عليه سمع الطفل وبصره خلال الأربعة والعشرين ساعة التي يحياها، من الليل والنهار، ويطلبان منه لمس ما يمكن لمسه، وإنصات السمع لما له صوت، وتذوق ما يمكن أكله، وشم ما له رائحة، وتأمل ذلك بالبصر، والتفكر في عظمة الله الذي خلق هذه الأشياء على اختلافها وكثرتها.
وفي أثناء ذلك يزودان الطفل بالمعلومات الصحيحة، العلمية الخاصة بتلك الأشياء، بشكل عام، وبأسلوب يتفق مع مدارك الطفل بحيث تتكون لديه الصورة الصحيحة لتلك الأشياء، فيبني عليها المعلومات التفصيلية الموسعة، فيما بعد.
إن إشباع غريزة حب الاستطلاع لدى الطفل بهذه الطريقة، توصله إلى محبة الله حيث يوضح له الوالدان أن الله الذي خلق هذه الأشياء عظيم، وكبير، وقوي، ورحيم. فمن رحمته خلق هذا كله، ليستفيد منه الإنسان، ويحيا حياة طيبة كريمة لذلك فعلى الإنسان أن يحب الله الرحمن الرحيم.
وعندما يصل الطفل إلى هذه المرحلة، ويتقدم قليلاً في العمر يتوجب على الأبوين إشعاره بأهمية احترام الله لأنه حبيبنا، واحترام الله يتمثل في اتباع أوامره واجتناب نواهيه، وهنا يبدأ الوالدان في إعطائه معلومات مبسطة عن الكتب السماوية التي تحتوي شرع الله، وعن أرسل الذين قاموا بتبليغ تلك الأوامر والنواهي للناس، والملائكة، وأن من وظائفها النزول بالأوامر والنواهي من الله إلى الرسل، وعن اليوم الآخر، الذي سيحاسب فيه الناس كل حسب عمله، وعن القضاء والقدر، الذي يتم اختبار الناس به وامتحانهم، وعن سائر الأمور الغيبية، الدالة على عظمة الله وقدرته.
إضافة إلى ذلك فواجب الأبوين أيضاً، تدريب أبنائهما على تأدية العبادات والشعائر الإسلامية المختلفة منذ السنة السابعة.
لقوله (ص): ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)).
فتدريب الطفل على العبادة منذ نعومة أظفاره، يشعره بالخشوع والخضوع لله سبحانه وتعالى، فيصبح قلبه مفعماً، بالإيمان، والحب والخالص لله.
وإذا تفتح قلب الطفل على الإيمان، وأشرقت روحه بضياء الحب الخالص لله. وخفقت جوانحه بالخوف والرهبة من عذاب الله وفهم الخطأ من الصواب، مال بطبعه إلى تقبل الأخلاق الفاضلة ورفض كل خلق غير سليم.
وهنا يصبح واجب الأبوين، إرشاد الطفل إلى الأخلاق الإسلامية السامية، وقد ترك لنا نبينا محمد (ص) مجموعة من الأحاديث والوصايا القيمة التي تطالب الأبوين بالحرص على تأديب وتهذيب أولادهما وإكسابهم الأخلاق الفاضلة،
ومن تلك الوصايا ما يلي:
1 ـ قال (ص): ((ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن)).
2 ـ وقال (ص): ((أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)).
3 ـ وقال (ص): ((من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه)).
4 ـ وقال (ص): ((لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين)).
وبتذوق هذه الأحاديث الشريفة، نجد أن التربية المحمدية سبقت التربية الحديثة إلى تقدير أهمية الطفولة، والنظر إليها على أنها التربة الصالحة لبذر بذور الأخلاق الطيبة والسلوك الحميد.
ومما قيل في أهمية التربية والتهذيب في الصغر، من قبل أحد رجال التربية الحديثة ((إن النقص الحاصل من إهمال التهذيب أشد وطأة، وأضر بالإنسان من نقص التعليم، فإن العلم يمكن تداركه في الكبر، أما التهذيب وتحسين الخلق، فهيهات، هيهات أن يصلح شأنه بعد فوات فرصته في الصغر، إن الخطأ في تهذيب الطفل لن يصلح أمد الدهر)).
بناءً على هذه فمسؤولية الآباء والأمهات، بصفة خاصة، وجميع المربين بصفة عامة، تجاه غرس الأخلاق الفاضلة في نفس الطفل مسؤولية عظيمة تحتاج إلى جهد وصبر وتضحية.
فهذه المسؤولية تتطلب تدريب الأطفال على جميع الصفات الخلقية الفاضلة من صدق، وأمانة وإخلاص، وكرم ...
كما تتطلب القضاء على كل خلق ذميم يلاحظه الأبوان على أولادهما مثل التلفظ بالكلام القبيح، والسب، ...
إن تدريب الطفل على الأخلاق الفاضل، يستدعي وجوده داخل وسط اجتماعي يحتك بأفراده ويتعامل معهم.
فعن طريق، هذا الاحتكاك، والتعامل، يمكن الحكم على مدى تطبيق الطفل لما درب عليه من الفضائل والأخلاق، كما أن وجوده داخل الوسط الاجتماعي يساعد على اكتسابه للعديد من الأخلاق الاجتماعية، بطريقة عملية.
إضافة إلى أنه يساعد أيضاً على اكتشاف ما إذا كان لدى الطفل ميل أو اتجاه نحو خلق غير سليم، فيُقوم في الحال، ويصرف عن ذلك الخلق، قبل أن يتعود عليه، ويتمسك به. لا سيما وأن الطفل اجتماعي بطبيعته ويميل إلى الانضمام إلى جماعة وأقران.
لذا فواجب الأبوين العمل على دفع الطفل إلى الانضمام إلى أصدقائه على أن يكون هؤلاء الأصدقاء، من بيئة معروفة بالصلاح والتقوى حتى لا يكونوا قرناء سوء للطفل.
وأول ما ينبغي من الأبوين الاهتمام به من الصفات الخلقية الحميدة، وتدريب الطفل عليها، صفة التواضع، واحترام أفراد المجتمع، وفي هذا يقول الإمام الغزالي: ((ويمنع الصبيُ من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والده أو بشيء من مطاعمه وملابسه، أو لوحته وأدواته، بل يُعوّد التواضع، والإكرام لكل مَن عاشره، والتلطف في الكلام معهم)).
ومن أروع الوصايا والمواعظ التي وعظ بها الآباء أبناءهم، والتي يجب على كل أب مسلم أن يعيها ويوصي بها أولاده، ما ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، على لسان لقمان الحكيم حيث قال تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بُني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم، ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك، إلي المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً، واتبع سبيل مَن أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون، يا بني إنها إن تلك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير، يا بني أقم الصلاة، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك، إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير).
ومن الأخلاق الاجتماعية التي يجب على الوالدين تدريب أبنائهما عليها، إكرام الجيران والضيوف، والسلام.
ومن الأمور البالغة الأهمية التي ينبغي للأبوين المسلمين تدريب الطفل عليها منذ الصغر، الجرأة الأدبية في قول الحق، والنقد الاجتماعي البنّاء والدفاع عن آرائه المبنية على أهداف الشريعة الإسلامية وتعليماتها، وإقناعه بأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من أجل العبادة ومجاهدة العصاة ومُرتكبي المنكر، وكل مَن يحارب الله ورسوله.
وينبغي أيضاً الاهتمام بتدريبه على الإصلاح بين الناس منذ الصغر ليصبح قادراً على فك الخصومات والمنازعات بين المسلمين عندما يكبر.
إضافة إلى تدريبه على المحافظة على الممتلكات العامة، مثل أثاث الحدائق والمدارس ـ كما يحافظ على ألعابه وأدواته الخاصة ـ وتدريبه على احترام ولي الأمر، سواء كان، أب أو أخ، أو حاكم ...